التحكيم الآسيويمن الفساد إلى النزاهة عبر إجراءات صارمة
2025-10-12 04:25:55
رغم التشكيك المستمر والاتهامات بالرشوة التي تصِم التحكيم الأفريقي وتنال من سمعته، نجح الاتحاد الآسيوي في القضاء على هذه الآفة التي كانت تنخر في جسد كرة القدم الآسيوية لعقود. فبينما تتزايد الفضائح في القارة السمراء، يبرز النموذج الآسيوي كقصة نجاح ملهمة في مكافحة الفساد الرياضي.
كان التحكيم الآسيوي يعاني من تفشي ظاهرة الرشوة بشكل “فاضح” حتى ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت الأخطاء التحكيمية المشبوهة تمثل ظاهرة مألوفة في البطولات المختلفة. لكن المنعطف الحاسم جاء عام 1983 مع تسلم العميد فاروق بوظو رئاسة لجنة الحكام بالاتحاد الآسيوي، الذي أطلق حملة تطهير شاملة استهدفت تطهير المنظومة التحكيمية من الفساد.
اعتمد بوظو استراتيجية متعددة المستويات، تركزت على معاقبة الحكام الفاسدين بشدة، خاصة من منطقتي وسط وشرق آسيا حيث كانت المشكلة أكثر انتشاراً. كما حذر الاتحادات الوطنية من محاولة التأثير على الحكام بأي صورة كانت. هذه الإجراءات الحازمة أسفرت عن القضاء على 99% من حالات الفساد التحكيمي، مما مهد الطريق لثقة FIFA المتزايدة في الحكام الآسيويين الذين برزوا في كأس العالم والبطولات الدولية الكبرى.
لكن التحديات عادت للظهور بعد رحيل بوظو عام 2007، حيث شهدت الفترة التالية بعض حالات التراخي، تجلت في فضيحة الحكام اللبنانيين عام 2013 التي هزت العالم الرياضي. واجه الاتحاد الآسيوي الأزمة بحزم غير مسبوق، حيث أقال طاقم التحكيم قبل المباراة مباشرة، وفرض عقوبات صارمة على المتورطين، مما دفع باللجنة إلى إطلاق ما عرف بـ”حملة التطهير الثانية”.
تعززت هذه الحملة بحزمة إجراءات وقائية صارمة شملت: منع قبول الهدايا من الفرق، وتحريم تلبية الدعوات الخاصة، وتوفير حراسة مشددة لفناقق إقامة الحكام، ومنع أي تواصل مع الأشخاص المرتبطين بالفرق المتافسة. كما أولت اللجنة أهمية خاصة لمراقبة تحركات الحكام خارج أوقات العمل، وتشديد الرقابة على مشاركتهم في المراهنات الرياضية بأي شكل كان.
ورافق هذه الإجراءات تحسين الظروف المادية للحكام، حيث ضاعف الاتحاد الآسيوي المكافآت والبدلات المالية، مما ساهم في الحد من دوافع الانحراف. كما ظل الاتحاد صارماً في معاقبة الأخطاء التحكيمية حتى غير المتعمدة، كما حدث مع الحكم الدولي الياباني يويتشي نيشيمورا الذي تلقى عقوبة الإيقاف 6 أشهر عام 2014.
ساهم في نجاح هذه السياسة عدم وجود مراكز قوى electorally-driven داخل الاتحاد الآسيوي، على عكس الوضع في القارة الأفريقية حيث ظل عيسى حياتو رئيساً للاتحاد الأفريقي لفترة طويلة. هذا الاستقرار الإداري مكن من استمرارية السياسات ومتابعة تنفيذها بفعالية.
الياء، أصبح الحكام الآسيويون يخشون ارتكاب أي شبهة قد تعرضهم للعقاب، بينما لا يزال نظراؤهم الأفارقة يعانون من سمعة سيئة بسبب تهاون اتحادهم في تطبيق إجراءات مماثلة. وقد تجلى هذا الفرق الواضح في توقف اتفاقية تبادل الحكام بين الاتحادين الآسيوي والأفريقي، في خطوة يعتقد أنها تعكس عدم الثقة في نزاهة التحكيم الأفريقي.
قصة التحكيم الآسيوي تثبت أن الإرادة السياسية الحقيقية، coupled with إجراءات صارمة ومكافآت عادلة، يمكن أن تقلب الموازين وتعيد الثقة في نزاهة الرياضة. النموذج الآسيوي أصبح اليوم مرجعاً عالمياً في مكافحة الفساد الرياضي، ودليلاً عملياً على أن الإصلاح ممكن عندما تتوفر القيادة الشجاعة والاستراتيجية الواضحة.